تُعد أسرة القزاز واحدة من الأسر الحجازية العريقة والكريمة، التي اشتهرت بمكانتها الاجتماعية والاقتصادية في مكة المكرمة، فكانت من بين أعيانها ووجهائها على مرّ العصور. ويرجع أصل الأسرة بحسب عددٍ من النسابين إلى قبيلة قريش، غير أن نسّابة الحجاز الدكتور عاتق البلادي – رحمه الله – أشار في كلمة له بتاريخ 4/11/1426هـ إلى أن العائلة تعود في جذورها إلى قبيلة ثقيف، من شفا بني سفيان.

وقد ورد ذكر بيت القزاز في عدد من أهم المراجع التاريخية والوثائق التي تؤرخ لأسر وعائلات مكة المكرمة. ففي مخطوط "مائدة الفضل والكرم الجامعة لتراجم أهل الحرم" للشيخ عبدالستار الصديقي الدهلوي، ذكر ضمن البيوت المكية المعروفة قوله: "ومن البيوت المعروفة الآن بيت القزاز أهل طوافة وتجارة" (ص 307). وهذا يبين أن للأسرة صورة بارزة في النشاطين الاقتصادي والخدمي داخل الحرم المكي، بما جعلها من بيوت مكة المرموقة.

أسرة القزاز وصناعة الزجاج

لم يقتصر دور الأسرة على التجارة والخدمات، بل كان لهم إسهام فريد في صناعة الزجاج في مكة المكرمة. وفي كتاب "حارة الشامية والحارات المجاورة لها" للمؤرخ فوزي ساعاتي، يُذكر أن محلة القرارة انفردت باحتوائها داراً لصناعة الزجاج تُعرف بـ "حوش القزاز"، تضم عدداً من الأدوات التقليدية لصنع الزجاج مثل المهاريس والأفران والقوالب والمنافخ والملاقيط.

ويُعد أبو بكر القزاز أول من عمل في صناعة الزجاج بهذه المحلة منذ القرن التاسع الهجري، ثم توارث أبناؤه المهنة جيلاً بعد جيل حتى اندثرت مع مرور الوقت. وكانت هذه الدار مملوكة لكلٍّ من عبدالغني بن عبدالرحمن قزاز وإخوانه عبدالحي وعثمان وصالح.

وفي ظل الدولة العثمانية، أُسندت للأسرة مهمة مميزة، حيث عُهد إليهم صنع القناديل التي توضع عند أبواب المسجد الحرام ورواقاته وصحن الطواف. وقد شغلوا وظيفة دائمة لدى الدولة العثمانية تحت مسمى "قزاز المسجد الشريف"، وكان لهم راتب شهري ثابت مقابل هذا العمل الشريف المتّصل بخدمة بيت الله الحرام. ويُذكر أن آخر من عمل في هذه المهنة هو الشيخ هلال شيت – والد الشيخ حمزة شيت – الذي يُعد من أسلاف القزازين المعروفين.

إسهامات وإنجازات الأسرة

عُرفت أسرة القزاز عبر القرون بمكانتها المرموقة ومساهماتها المتعددة في خدمة مكة المكرمة وأهلها. فقد برز أفرادها في ميادين التجارة والطوافة والصناعة، وأسهموا بشكل مباشر في خدمة المسجد الحرام من خلال حرفة صناعة الزجاج والقناديل، مما يضيف بعداً روحانياً وتاريخياً لمسيرتهم.

ولا يزال لأبناء الأسرة حتى يومنا هذا حضورهم وإنجازاتهم المستمرة في خدمة وطنهم ومجتمعهم، محافظين على إرث أجدادهم ومكانة اسمهم بين الأسر الحجازية العريقة.