أصل التسمية
ترتبط كلمة "قزاز" في الأصل ببائع الحرير وناسجه، نسبةً إلى دودة القز. إلا أن ارتباط
أسرة القزاز المكية بهذا الاسم ليس بالضرورة راجعًا لهذه المهنة وحدها، بل ارتبط اسمها أيضًا بتاريخ عريق في صناعة الزجاج في مكة المكرمة.
الجد المؤسس وصناعة الزجاج
يعود نسب الأسرة إلى الجد الجامع
أبي بكر القزاز في القرن التاسع الهجري، والذي أسس مصنعًا للزجاج في محلة القرارة بمكة المكرمة. وقد أصبح هذا المصنع من أوائل المصانع التي عُرفت في مكة في ذلك الزمان. ووفقًا لما أورده الغزاوي في كتاب
مكة المكرمة في شذرات الذهب فإن مصنع أبي بكر القزاز كان ينتج أدوات أساسية يحتاجها الناس مثل:
- فناجين القناديل ذات الفتائل التي تضاء بالزيت أو الشحم.
- مستلزمات الزينات والاحتفالات والمناسبات.
- الأكواب وبعض الأدوات الزجاجية الأخرى.
غير أن هذه الصناعة اندثرت قبل القرن الثالث عشر الهجري لأسباب غير معروفة، ليُترك أثرها المادي في بقايا "حوش القزاز" بالقرارة، حيث كانت الأفران والمعدات كالمهاريس والمنافيخ والقوالب.
دور العائلة في المسجد الحرام
أثناء فترة الدولة العثمانية أسندت إليهم مهمة صناعة
قناديل المسجد الحرام التي تضاء عند الأبواب والرواقات وصحن المطاف. وقد حمل أفراد الأسرة آنذاك لقب "قزاز المسجد الشريف"، وكانت لهم مرتبات شهرية لقاء هذه الوظيفة. واستمر الدور حتى بدايات القرن الرابع عشر الهجري، حين توقفت صناعة القناديل مع إدخال الإنارة الحديثة.
بحسب كتاب
الأوائل لمكة في عهد الملك عبدالعزيز وأبنائه فإن أول من أضاء المسجد الحرام بالمصابيح (اللوكسات) بدل الزيت والشحم كان
الشريف الحسين بن علي عام 1335هـ، أما الكهرباء فأدخلت في عام 1339هـ، وهو ما أدى نهائيًا إلى اندثار مهنة صناعة القناديل الزجاجية.
التحول إلى التجارة والطوافة
بعد توقف صناعة الزجاج اتجه أفراد الأسرة إلى التجارة، وخاصة
تجارة الأقمشة (البز) في الأسواق المكية كسويقة وغيرها. كما برزوا في مهنة
الطوافة نظرًا لقربهم من الأشراف، حيث حصل آل القزاز على
تقارير الطوافة من الشريف غالب عام 1205هـ، فخدموا وفود الحجاج القادمين من بعض بلدان الأناضول، ثم توسعت أدوارهم لتشمل بلدانًا أخرى من العالم الإسلامي.
وقد عُرفت تقارير الطوافة بأنها منح تمنحها شرافة مكة لعوائل محددة ليقوموا بخدمة حجاج بلاد بعينها هم وذريتهم من بعدهم. هذا ما رسّخ دور آل القزاز في الطوافة، إلى جانب تجارتهم.
بيع بقايا المصنع
مع بدايات القرن الرابع عشر الهجري، قام الشيخ
أحمد بن عبدالرحمن بن صالح القزاز ببيع ما تبقى من معدات المصنع وآثاره في محلة القرارة، ووزع الحصص على أفراد العائلة، ليُغلق بذلك فصل طويل من تاريخ آل القزاز مع صناعة الزجاج.
نسب الأسرة وأصولها
في مداخلات النسابة والمؤرخ الدكتور
عاتق بن غيث البلادي الحربي، ورد أن أسرة القزاز أصلها من
ثقيف من شفا بني سفيان، وقد جاورت الحرم المكي منذ قرون أسوة بعدد كبير من الأسر القرشية والأنصارية والقبائل العربية التي استوطنت مكة المكرمة. ويؤكد ذلك ما ذُكر في كتاب
حارة الشامية والحارات المجاورة لفوزي ساعاتي، حيث ذُكرت دار آل القزاز وصناعتهم للزجاج وأجيالهم الممتدة.
أثر آل القزاز في مكة
- ريادة مبكرة في الصناعات اليدوية وخاصة الزجاج.
- مساهمة مباشرة في إنارة المسجد الحرام عبر صناعة القناديل.
- التحول الفاعل نحو التجارة بالأقمشة كسمة متوارثة عبر عدة أجيال.
- خدمة ضيوف الرحمن عبر الطوافة وتقارير الحجيج، وهو تكريم شرّف به آل القزاز مع غيرهم من العائلات المكية.
بهذا يتضح أن تاريخ الأسرة ليس مقصورًا على مهنة واحدة، بل هو امتداد متنوع بين الصناعة والتجارة والخدمة الدينية، مما جعل آل القزاز أحد البيوت المكية العريقة ذات الأثر الاجتماعي والاقتصادي والديني.